معجزات أجراها الله على أيدي رسله
معجزات الرسل
ويلاحظ أن معجزات الأنبياء السابقين كانت مقيدة بقيدين:
الأول: أنها معجزات حسية، مثل انقلاب العصا حية، وإحياء الموتى وإبراء السقمى لسيدنا عيسى.
الثاني: أنها محدودة الزمان والمكان.
أما النبي محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، ميزه الله بمعجزاته، حيث أعطاه الله تعالى نوعين من المعجزات:
الأولى: معجزات حسية شهدها من عاصروه
الثانية: معجزة معنوية عقلية، وهي القرآن الكريم، الذي خلده الله بخلود الزمان، كما قال تعالى: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً)[الإسراء:88] .
وبهذا يظهر لنا أن معجزة النبي محمد صلى الله عليه وسلم امتازت عن معجزات إخوانه من الأنبياء بعظمتها وخلودها، ويثبت ذلك ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما من الأنبياء نبي، إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحياً أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة” قال ابن حجر في الفتح في شرح هذا الحديث: (أي معجزتي التي تحديت بها [هي] الوحي الذي أنزل علي، وهو القرآن.
معجزة محمد صلى الله عليه وسلم
خلص الله رسوله بالكثير من المعجزات، فقد كانت معجزات النبي محمد متعددة ومختلفة، منها انشقاق القمر، والإسراء والمعراج، نبع الماء من بين أصابعه، حنين الجذع، إبراء المرضى، وأعظم معجزة هي القرآن الكريم.
معجزة انشقاق القمر
طلب المشركين من الرسول صلى الله عليه وسلم معجزة دليل على صدقه، وخصصوا بالذكر أن يشق لهم القمر، ووعدوه بالإيمان إن فعل، وكانت الليلة موافقة ليلة بدر أي الليلة الرابعة عشر وهي التي يكون القمر فيها على أتم صورة وأوضحها، فطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ربه أن يعطيه ما طلبوا، فانشق القمر نصفين: نصف على جبل الصفا، ونصف على جبل قيقعان المقابل له.
وثبت في صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم القمر شقين حتى رأوا حراء بينهما. وبعد ذلك قريشا لم يصدقوا الرسول أيضا، وقالوا أن هذا سحر. [1]
معجزة القرآن الكريم
فالقرآن الكريم، هو المعجزة الخالدة لنبيناً محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن أعظم المعجزات على مر التاريخ وأبقاها على مر العصور إلى أن يرفعه الله تعالى إليه قبل قيام الساعة، وأقوى معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم.
والإعجاز والتحدي في القرآن لا ينكرهما إلا مكابر. فهو معجزة في فصاحته، وبلاغته، وأسلوبه، وما اشتمل عليه من الإخبار عن الماضي، وأيضا المستقبل البعيد.
وقد تحدى الله بهم الذين أنزل في عصرهم، وهم فصحاء الناس وبلغاؤهم أن يأتوا بكتاب مثله، فإن عجزوا فليأتوا بعشر سور مثله، فإن عجزوا فليأتوا بسورة مثله، فعجزوا عن ذلك كله وأفحموا، وبذلك وضح صدق النبي صلى الله عليه وسلم وقامت عليهم الحجة وعلى من بعدهم إلى يوم القيامة، وبرهن على أن القرآن معجزة النبي صلى الله عليه وسلم العظمى التي امتاز بها عن سائر الأنبياء.
ومن الجدير بالذكر أن هناك معجزات الرسول قبل البعثة، ومنها ظهور نور الضياء على أرض الشام عندما كان في حضن والدته، غِنى والدتها في الرضاعة حليمة السعدية بعد أن كانت فقيرة، أينما كان يمشي ويقيم يخضّر الأرض بعدها، انشق صدره من قبل الملائكة، عندما كان عمره خمس سنوات. ونظف قلبه من الأعمال السّيئة. [2]
معجزة موسى عليه السلام
معجزات موسى عليه السلام كثيرة، منها:
العصا
التي صارت بقدرة الله تعالى حية عظيمة، فابتلعت ما جاء به سحرة فرعون من السحر.
اليد البيضاء
فقد كان يدخل يده في جيبه، فتخرج بيضاء من غير سوء. وهاتان الآيتان مذكورتان في قوله تعالى: (فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ) [الأعراف:107-108].
الآيات التي وردت في سورة الأعراف: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ) [الأعراف:133].
وقوله تعالى: (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) [الأعراف:130].
وغير هذه الآيات من ضربه الحجر بالعصا وخروج الماء منه، والتظليل بالغمام، وإنزال المنّ والسلوى، وغيرها من الآيات.
معجزة عيسى عليه السلام
المعجزات التي أظهرها الله على يديه مثل إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص بإذن الله وغير ذلك، فهي دلائل صدق عيسى عليه الصلاة والسلام في رسالته وتكذيب لما اتهمه به يهود من الافتراءات. [3]
جاء في القرآن الكريم عند الحديث عن المعجزات التي أيد الله بها عيسى عليه السلام، قوله تعالى: {ورسولاً إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله} (آل عمران:49) وقال تعالى: {إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلاً وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني} (المائدة:110).
معجزة صالح عليه السلام
الناقة
أخرجها الله لقومه من الصخرة فكان من شأنها أن لها شرب يوم ولقومه شرب يوم، وفي يوم شربها يشربون من لبنها حتى عقرها أحدهم فعذبهم الله، وقال هذا في كتابه العزيز: {قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ * مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآَيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ * وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ * فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ * فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (158) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ {الشعراء: 253-159} وقوله على لسان نبيه صالح لما قال لقومه: قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ {الأعراف: 73}، والسبب في إخراجها لهم هو أن قوم ثمود قالا لصالح ائتنا بآية إن كنت من الصادقين، فقال لهم صالح ، اخرجوا إلى هضبة من الأرض فخرجوا ، فإذاهي تتمخض كما تتمخض الحامل ، ثم انها تفرجت فخرجت من وسطها الناقة فقال لهم صالح : هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ إلى قوله لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ . قال ابن عباس كما عند القرطبي وغيره : قالوا لو كنت صادقاً فادع الله يخرج لنا من هذا الجبل ناقة حمراء عشراء فتضع ونحن ننظر ، وترد هذا الماء فتشرب وتغدو علينا بمثله لبنا . فدعا الله وفعل الله ذلك. [4]
معجزة إبراهيم عليه السلام
النار
لما رأى إبراهيم عليه الصلاة والسلام أن قومه ما زالوا متمسكين بعبادة أصنامهم عَقَد النية على أن يقوم بتكسير الأصنام ويقيم الحجة عليهم.
وكان من عادة قومه أن يقيموا لهم عيدًا، فلمَّا جاء عليهم عيدهم دعوه ليخرج معهم فأخبرهم أنه مريض لأنه أراد التخلف عنهم ليكسر أصنامهم قال تعالى:{فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ * فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ}
وبعد ذهاب قومه أمسك بيده اليمنى فأسًا وأخذ يهوي على الأصنام يكسرها ولما رجع قومه من عيدهم ووجدوا ما حل بأصنامهم بهتوا {قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ }، وقد اجتمعوا على أن يحضروا إبراهيم ويجمعوا الناس ليشهدوا عليه ويسمعوا كلامه {قَالُوا ءَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ}سورة الأنبياء62، وهنا رد عليهم نبي الله قائلا {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ}، ليسخف من معتقداتهم وأصنامهم.
أراد قومُ إبراهيم عليه السلام أن ينتقموا من إبراهيم عليه السلام لما كسّر أصنامهم، فلمَّا غلبهم بحجتِه أرادوا مع مَلِكهم هذا أن ينتقموا منه فيحرقوه في نار عظيمة، قال تعالى {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ}سورة الصافات، وقال:{قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ} [5]
فلما ألقي إبراهيم في النار لم تحرقه النار ولم تصبه بإذى ولا حتى أحرقت ثيابه، قال الله:{قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ}سورة الأنبياء. فكانت هذه النار العظيمة بَردًا وسلامًا على إبراهيم فلم تحرقه.